لقد جاءوا إلى الشذوذات الفقهية، ونذكر واحداً منهم وهو مصطفى المراغي فعندما اجتمعت لجنة التقنين في مصر قال "للسنهوري" ومن معه: ''ضعوا أي شيء ترونه مناسباً للمصلحة وللواقع وللعصر ضعوه كما تشاءون، وأنا مستعد أن أخرِّجه على أي قول من أقوال الفقهاء في أحد المذاهب الأربعة أو في بعضها إما قول ضعيف أو راجح أو مرجوح''
وتنسب عبارة مثل تلك إلى الشيخ "الشرقاوي" بالنسبة إلى ما يتعلق بقانون "نابليون" عندما عرضه عليه "الخديوي" المهم أن الواقع هو الذي يوجه الشرع، من أين نأخذ الدين؟
نأخذه من الواقع، وأي واقع؟!
هو الواقع المساير لركب الحياة، والحضارة الغربية.
وجد من علماء المسلمين من أفتى بأن سماع الغناء والموسيقى لا بأس به، وهذا شذوذ، ومن تتبع رخص العلماء تزندق كما قال الفقهاء، جاء هؤلاء وجمعوا شذوذات أخرى، وإذا بنا نجدها في كتاب متداول اسمه "آراء تقدمية في الفكر الإسلامي" للدكتور/ محمد حسني عثمان جمعها، وسماها بهذا الاسم، ويقول في كتابه "الإسلام وتطوره": ''إنه قد نشرت الصحافة الغربية أن أحد الكاردينات الكبار -مقرب جداً من البابا- قد سار في شوارع روما، وفي صدره صورة "صوفيا لوريل" الممثلة الإيطالية، قال: فمتى يأتي اليوم الذي نرى فيه أحد شيوخ الأزهر وهو يمشي وعلى صدره صورة إحدى الممثلات؟!''
إذاً هم يريدون أن يهدموا هذا المجتمع.. الحجاب، الحياء، العفة، الفضيلة، أحدهم ينشر مذكرات هي الآن تنشر تقريباً في جرائد، وفي مجلات يذكر قصته مع الحب، ويذكر فيها قصته مع الغناء، ويتحدث بكل صراحة ووضوح وأن هذا رأيه، وأن الحب يجب أن يكون كذلك، وأن هذا هو حقيقة الإسلام، والجديد الذي عملوه أن ما كان ينادى به قبل أربعين أو خمسين سنة على أنه إباحية وينادى به هكذا بوضوح: اتبعوا الغرب فيه، الآن يقال: اتبعوا هذا فهو حقيقة الإسلام.
في مجال العقيدة -أيضاً- أصبحنا نعجب والله، فهناك مجلات وملاحق لجرائد يومية مشهورة لا تخفى على أحد تتحدث عن الأضرحة، وعن المزارات، والقبور، والمشاهد -سبحان الله!- ما هذا الدين الجديد؟
هذا الذي كان رجعية وتأخر، فالآن هناك اتجاه مرذول ومرفوض ومحارَبٌ بكل قسوة وهذا الاتجاه هم الأصوليون، وهناك اتجاه يوسع له المجال، وتفتح له الأبواب لينشر، وهو الذي يصور أدنى وأحط مرحلة وصلت إليها الأمة الإسلامية، بل أحط ما يمكن أن يصل إليه الإنسان -أي إنسان- وهو أسفل سافلين، وهو الوقوع في الشرك بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعبادة الموتى والقبور من دون الله، ملاحق للأهرام ولغير الأهرام، وحتى المجلات الإباحية وبعض المجلات الخليجية، والجرائد الخليجية الإباحية تأتي وتتحدث عن الأضرحة والمزارات في كثير من الدول، وعن الأولياء والموالد والكرامات، حتى في مجال العقيدة البحتة تدخّلوا ليفرضوا هذا الدين الجديد الذي يريدون أن يشتتوا به ما كانت عليه الأمة.
أعود وأقول: ما معنى أن يتعرض لأصول الفقه -مثلاً- ولهدمه والإتيان بأصول فقه جديد؟
"جولدزيهر" في كتابه "الإسلام عقيدة وشريعة" يقول: ''إن المسلمين أرادوا ضمان تطور الإسلام مع العصور، فاستحدثوا أصلاً ثالثاً بعد الكتاب والسنة وهو الإجماع، فإذا رأوا أن أمراً ما في عصر من العصور قد وقع واستقر؛ جاءوا وقالوا: من باب عموم البلوى، وكذا، ونجمع عليه فيجمعون فيصبح من الدين، وتلزم به الأمة'' أي جعلهم كـالفاتيكان، هذا كلام "جولدزيهر".
ويظهر بعض الدعاة والذين يدعون إلى الإسلام وينتسبون إليه ولهم دعوات، ويقول : الإجماع يمكن أن تجمع مدرسة ثانوية على شيء ويكون هذا إجماعا، الإجماع الواسع، والقياس الواسع، وبدعوى ماذا؟
بدعوى التجديد، والتطوير، والتطبيق العصري لهذا الدين كما يزعمون.